للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التامّ عادةً، وهي مع ذلك أكثريّات، لا كليّات، فلا يناسب تغليط الرواة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى.

(أَوْ لَيَخْتَمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبهِمْ) أي: يَطْبَع عليها، ويُغطّيها بالرَّيْن، قال القاضي عياضٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أصل الختم التغطية؛ أي: غطّى عليها، ومنعها من الهداية به حتى لا تعرف معروفًا، ولا تُنكر منكرًا، ولا تعي خيرًا، قالوا في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: ٧]؛ أي: طَبَعَ عليها، قالوا: وأصل الطبع في اللغة: الوسخُ والدنس، واستُعْمِل فيما يُشبهه من الآثام، ومثله الرَّيْنُ، وقيل: الرين أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشدّها، وقد اختَلَفَ المتكلّمون في هذا اختلافًا كثيرًا، فقيل: هو إعدام اللطف، وأسباب الخير، والتمكين من أسباب ضدّه، وقيل: هو خَلْق الكفر في قلوبهم، وهو قول أكثر متكلمي أهل السنّة، وقال غيرهم: هو الشهادة عليهم، وقيل: هو علامةٌ جعلها اللَّه تعالى في قلوبهم؛ لتعرف بها الملائكة الفرق بين من يجب مدحه، ومن يجب ذمّه. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الصواب حمل الختم على ظاهره، وأنه -عزَّ وجلَّ- يجعل على قلوبهم بسبب ذنوبهم شيئًا يمنع قلوبهم عن اتباع الحقّ، ووصول الخير إليه؛ لما أخرجه الترمذي في "جامعه" (٣٣٣٤)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (٤١٨) وفي "السنن الكبرى" ٦/ ٥٠٩، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إنّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر، وتاب صُقِّل قلبُهُ، وإن عاد زيد فيها، حتى تَعلُو قلبه، وهو الرَّانُ الذي ذكره اللَّه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} [المطففين: ١٤] "، قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبّان، والحاكم، ووافقه الذهبيّ، واللَّه تعالى أعلم.

قيل: ومن خُتِمَ على قلبه بالرين قد يتيقظ للخير في بعض الأوقات، بخلاف الغافل عن مولاه، فلا يتفطن أصلًا، فلهذا ترقّى، فقال (ثُمَّ لَيَكُونُنَّ) بضم النون الأولى، من الكَوْن، ولفظ أحمد: "ثم ليُكتَبُنّ" من الكتابة (منَ


(١) "إكمال المعلم" ٣/ ٢٦٥.