للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تمكّن، ويؤثّر فيها حقّ تأثير، أو لأنه يتوجّه فكره إلى الموعظة، فتظهر عليه آثار الهيبة الإلهيّة، واستُدلّ به على أنه يُستحبّ للخطيب أن يفخّم أمر الخطبة، ويَرفع صوته وكلامه؛ ليكون مطابقًا للفصل الذي يتكلّم فيه، من ترغيب، أو ترهيب، ولعلّ اشتداد غضبه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا، قاله في "المرعاة" (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان هذا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحوال، وهذا مشعر بأن الواعظ حقّه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلّم فيه ما يطابقه، حتى لا يأتي بالشيء وضدُّه ظاهرٌ عليه، وأما اشتداد غضبه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيَحْتَمل أن يكون عند نهيه عن أمر خُولف فيه، أو يُريد أن صفته صفة الغضبان. انتهى (٢).

(حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ) هو الذي يجيء مخبرًا للقوم بما دَهَمَهم من عدوّ، أو غيره؛ أي: كمن يُنذر قومًا من قرب جيش عظيم قصد الإغارة عليهم (يَقُولُ) ذلك المنذر، والجملة في محلّ رفع صفة لـ "منذر"، أو حالٌ؛ لتخصيصه بالإضافة.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "يقول" يجوز أن يكون صفةً لـ "منذرُ جيشٍ"، وأن يكون حالًا من اسم "كأَنَّ"، والعامل معنى التشبيه، فالقائل إذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، و"يقول" الثاني عطفٌ على الأول، وعلى الوجه الأول عطفٌ على جملة "كأنّه". انتهى (٣).

(صَبَّحَكُمْ) بتشديد الموحّدة، والفاعل ضمير يعود إلى العدوّ المنذَر به، والضمير المنوب يعود إلى المنذَرين؛ أي: نزل بكم العدوّ صباحًا، والمراد أنه سينزل، وعبّر بصيغة الماضي؛ لتحقّقه.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَثَّلَ حالَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في خطبته، وإنذاره بمجيء القيامة، وقرب وقوعها، وتهالك الناس فيما يُرديهم بحال من يُنذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإحاطة بهم بغتةً من كلّ جانب بحيث لا يفوت منهم أحدٌ، فكما أن المنذر يرفع صوته، وتحمرّ عيناه، ويشتدّ غضبه على


(١) راجع: "المرعاة" ٤/ ٤٩٦ - ٤٩٧.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٠٦.
(٣) "الكاشف" ٤/ ١٢٨٣ - ١٢٨٤.