للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تغافلهم، كذلك حال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند الإنذار، وإلى قرب المجيء أشار بإصبعيه، ونظيره ما رُوي أنه لَمّا نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤] صَعِدَ الصفا، فجعل ينادي: "يا بني فِهر، يا بني عديّ. . . " الحديث، متّفقٌ عليه. انتهى (١).

(وَمَسَّاكُمْ) بتشديد السين المهملة، مثلُ "صَبّحكم"، والمراد: الإنذار بإغارة الجيش في الصباح والمساء.

وقيل: يَحْتَمِل أن يكون ضمير "يقول" للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والجملة حال، وضمير "صبّحكم، ومسّاكم" للعذاب، والمراد به: قَرُب منكم، إن لم تطيعوني هلكتم، والوجه الأول هو الأظهر، واللَّه تعالى أعلم.

(وَيَقُولُ) أي: النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو عطف على "احمرّت عيناه" ("بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ) "أنا" تأكيد للضمير المتّصل، وإنما أكّده به؛ ليصحّ عطف "والساعةُ" عليه، كما قال في "الخلاصة":

وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ … عَطَفْتَ فَافْصِلْ بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلْ

أَوْ فَاصِل مَّا وَبِلَا فَصْل يَرِدْ … فِي النَّظْمِ فَاشِيًا وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رُوي بنصب "الساعة" ورفعها، والمشهور نصبها، على المفعول معه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: إن أراد النوويّ بالمشهور المشهور من حيث الروايةُ فذاك، وإلا فمن حيث القاعدةُ النحويّة في مثل هذا الرفعُ أولى؛ لأنه إذا أمكن العطف بلا ضعف، فهو أحقّ، وهنا كذلك للفصل بالضمير المنفصل، وإلا فالنصب أحقّ، نحو سرتُ وزيدًا؛ لعدم الفصل، وإلى هذا أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة" حيث قال:

وَالْعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلَا ضُعْفٍ أَحَقْ … وَالنَّصْبُ مُخْتَارُ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيّدناه بالنصب، والرفع، فأما النصب فهو على المفعول معه، والرفع على أنه معطوفٌ على التاء في "بُعِثْتُ"، وفَصَل بينهما


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٢٨٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٦/ ١٥٤.