للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"وكلّ بدعة ضلالة" على عمومه. انتهى (١).

(وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ") هذه الجملة معطوفة على محذوف كما بُيِّن في رواية أخرى؛ تقديره: فكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وعند النسائيّ بإسناد صحيح من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وكلُّ بدعة ضلالة" هذا عامّ مخصوص، والمراد: غالب الْبِدَع، قال أهل اللغة: هي كلُّ شيء عُمِل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومُحَرَّمة، ومكروهة، ومباحة، فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للردّ على الملاحدة والمبتدعين، وشبه ذلك، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم، وبناء المدارس والربط، وغير ذلك، ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة، وغير ذلك، والحرام والمكروه ظاهران.

فإذا عُرِف ما ذكرته عُلِم أن الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في التراويح: نعمت البدعة، ولا يَمنَع من كون الحديث عامًا مخصوصًا قوله: "كل بدعة" مؤكدًا بـ "كل" بل يدخله التخصيص مع ذلك، كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٥] انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى: قول النوويّ: "هذا عامّ مخصوص" فيه نظرٌ لا يخفى؛ إذ ليس كذلك، بل الصواب أنه على عمومه، فإن كل بدعة شرعيّة ضلالة من دون استثناء شيء منها، وأما ما ظنّه أنه مخصوص من العموم، فإنما هو في البدع اللغويّة، فإن البدعة قسمان:

[إحداهما]: شرعيّة، وهي التي أُحدثت بعد كمال الدين، وليس لها أصل في الكتاب، والسنة، والإجماع، فهذه ضلالة دون استثناء.

[والثانية]: لغويةٌ وهي أعمّ من الشرعيّة، إذ هي تشمَلُ كلَّ ما أُحدث بعد


(١) "شرح السنديّ" ٣/ ١٨٩.
(٢) "شرح مسلم" ٦/ ١٥٥.