للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أهل اللغة: "الضَّيَاع" -بفتح الضاد-: العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يَضيع ضَيَاعًا، والمراد: من ترك أطفالًا وعيالًا ذوي ضَياع، فأوقع المصدر موضع الاسم. انتهى.

وقال القرطبيّ: الضَّيَاع: العيال، قاله النضر بن شُميل. وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضَاعَ يَضيع ضَيَاعًا، ومثله: مضى يمضي مَضَاءً، وقَضَى يَقْضِي قَضَاءً: أراد من ترك عيالًا، أو أطفالًا، فجاء بالمصدر موضع الاسم، كما تقول: ترك فقرًا: أي: فقراء. و"الضِّيَاع" بالكسر: جمع ضائع، مثل جائع وجياع، وضيعة الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه، من صناعة، أو غلّة، قاله الأزهريّ، وقال شَمِر: ويدخل فيه التجارة، والحِرفة، يقال: ما ضيعتك؟ فتقول: كذا. انتهى (١).

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أصحابنا: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُصلي على من مات وعليه دَين، لم يَخلُف به وفاء؛ لئلا يتساهل الناس في الاستدانة، ويُهمِلوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح اللَّه على المسلمين مبادئ الفتوح قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ترك دينًا فعليّ"؛ أي: قضاؤه، فكان يقضيه.

واختَلَف أصحابنا: هل كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجِب عليه قضاء ذلك الدين، أم كان يقضيه تَكَرُّمًا؟ والأصح عندهم أنه كان واجبًا عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

واختلفوا هل هذه من الخصائص أم لا؟، فقال بعضهم: هو من خصائص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: لا، بل يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دَين من مات، وعليه دين إذا لم يَخلُف وفاءً، وكان في بيت المال سعة، ولم يكن هناك أهم منه. انتهى كلام النوويّ (٢).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه"؛ أي: أقرب له من نفسه، أو أحقّ به منها، ثم فسّر وجهه بقوله: "من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا، أو ضَيَاعًا فإليّ، وعليّ".

وبيانه أنه إذا ترك دينًا، أو ضَيَاعًا، ولم يَقدِر على أن يُخَلِّصَ نفسه منه؛ إذ لم يترك شيئًا يَسُدُّ به ذلك، ثم يُخلّصه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقيامه به عنه، أو سدّ ضَيْعته


(١) "المفهم" ٢/ ٥٠٩.
(٢) "شرح مسلم" ٦/ ١٥٥.