لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيمًا لله تعالى بتقديم اسمه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر:"لا يقل أحدكم ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله، ثم شاء فلان".
والصواب أن سبب النهي، أن الْخُطَب شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبتٌ في "الصحيح": "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ لِتُفْهَمَ".
وأما قول الأولين، فيضعَّف بأشياء، منها: أن مثل هذا الضمير قد تكرّر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كقوله -صلى الله عليه وسلم -: "أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما"، وغيره من الأحاديث، وإنما ثَنَى الضمير هاهنا؛ لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حكم، فكلّما قلّ لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ، فإنه ليس المراد حفظه، وإنما يُراد الاتعاظ بها.
ومما يؤيّد هذا ما ثبتٌ في "سنن أبي داود" بإسناد صحيح، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة الحاجة:"الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله، فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرًا ونذيرًا، بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فإنه لا يضرّ إلا نفسه، ولا يضرّ الله شيئًا"، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله.
وقال الشيخ عزّ الدين: من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربّه تعالى، وذلك ممتنع على غيره، قال: وإنما يمتنع من غيره، دونه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرّق إليه إيهام ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشيخ عزّ الدين رحمه الله يعكُر عليه حديث أبي داود الذي قبله، حيث علّم -صلى الله عليه وسلم- غيره أن يقولوا:"ومن يعصهما"، فدلّ على أنه ليس مخصوصًا به، فالأولى عندي ما رجّحه النوويّ، من أن سبب النهي كون الْخُطَب محل بسط وإيضاح، لا إشارة وإيجاز، فتأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.