خطب، فقال في خطبته:"من يُطع الله ورسوله، فقد رَشَد، ومن يَعصهما، فإنه لا يضرّ إلا نفسه"، وفي حديث أنس -رضي الله عنه-: "ومن يعصهما فقد غَوَى"، وهما صحيحان.
ويُعارضه أيضًا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: ٥٦]، فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته، ولهذه المعارضة صَرَفَ بعضُ القرّاء هذا الذّمّ إلى أن ذلك الخطيب وقف على:"ومن يعصهما"، وهذا تأويلٌ لم تساعده الرواية، فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد، وأن آخر كلامه إنما هو:"فقد غوى"، ثم إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ردّ عليه، وعلّمه صواب ما أخلّ به، فقال:"قل: ومن يَعص الله ورسوله، فقد غَوَى"، فظهر أن ذمّه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير، وحينئذ يتوجّه الإشكال، ونتخلّص عنه من أوجه:
[أحدها]: أن المتكلّم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجّهه لغيره، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بئس الخطيب أنت" منصرفٌ لغير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لفظًا ومعنًى.
[وثانيها]: أن إنكاره -صلى الله عليه وسلم- على ذلك الخطيب يَحْتَمِل أن يكون كأنّ هناك من يتوهّم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد، فمنع ذلك لأجله، وحيث عُدِمَ ذلك جاز الإطلاق.
[وثالثها]: أن ذلك الجمع تشريفٌ، ولله تعالى أن يشرِّفَ من شاء بما شاء، ويمنع من مثل ذلك للغير، كما قد أقسم بكثير من المخلوقات، ومنعنا من القسم بها، فقال عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: ٥٦]، وكذلك أَذِنَ لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- في إطلاق مثل ذلك، ومنع منه الغير على لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم-.
[ورابعها]: أن العمل بخبر المنع أولى؛ لأوجه: لأنه تقعيد قاعدة، والخبر الآخر يحتمل الخصوص، كما قرّرناه، ولأن هذا الخبر ناقلٌ، والآخر مُبْقٍ على الأصل، فكان الأول أولى، ولأنه قولٌ، والثاني فِعْلٌ، فكان أولى. والله أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
وقال النوويّ رحمه الله: قال القاضي، وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه