ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق، وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم، وفي يديه لقمة العيش التي تقوتهم، وليست محنة السراء بأقل من محنة الضراء فثمة، دواعي الكبر والخيلاء، والشح والبخل، والظلم والعدوان، والغفلة عن ذكر الله والدار الآخرة كلها أدواء تصاحب الغنى واليسر إلا من رحم الله، ويوسف عليه السلام كما كان نموذجًا للصبر والرضا والتسليم بما قدر الله في زمن الشدة والضراء، فقد كان نموذجًا آخر للعدل والأمانة والشكر والذكر لله في زمن الفرج والسراء ومقاليد أمور مصر بيديه، وخزائن الأرض تحت تصرفه .. أجل لقد ضرب الصديق عليه السلام نموذجًا للعفة وحسن السياسة في الرعية، وعرفت الأرض والناس به نموذجًا للحكام الصالحين، الذين تكثر نفقاتهم دون منٍ أو أذى، وتكثر الخيرات من حولهم، بهم تصلح الحياة الدنيا، وبسيرتهم يتذكر الناس الدار الآخرة، فلا جوع أو تسفيه، ولا فتنة ولا تخمة. وتأملوا كيف ترتبط الحياة الدنيا بالآخرة في أذهان العارفين {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني هن تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني في بالصالحين}(١) ألا إنها أخلاق الأنبياء، نماذج خيرية بالاعتبار والاقتداء.
اللهم احشرنا مع البررة الأتقياء، وبلغنا منازلة الشهداء ... أقول ما تسمعون ...