للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفاق والمنافقون (١)

الخطبةُ الأولى:

إن الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.

إخوةَ الإيمانِ: يُخطئُ منْ يظنُّ أنَّ النفاقَ الذي أفاضَ القرآنُ في الحديثِ عنْه وأنَّ المنافقينَ الذينَ أسهبَ القرآنُ في التحذيرِ منهُم، كانَ يُمثلُ مرحلةً تاريخيةً انقضَتْ بدخولِ الناسِ في دينِ اللهِ أفواجًا، فالعصرُ الذهبيُّ للبشريةِ عامةً -وللمسلمينَ خاصةً- والذي شهدَتِ الأرضُ طُهرَه أيامَ الرسالةِ المحمديةِ، لمْ يخلُ منْ ظُلمِ النفاقِ وظُلماتِه، فهل تُعصمُ منْه العصورُ التاليةُ؟

إنّ جوهرَ النفاقِ وطينةَ المنافقينَ واحدةٌ على مرِّ العصور، ولكنَّ الفرقَ في الظروفِ المتوفرةِ للمنافقينَ بينَ الأمسِ واليومِ، فالنفاقُ في مراحلِ تمكينِ الدينِ وغلبةِ المسلمينَ كانَ ذُلًا لا يستخفي، وضعفًا يتوارَى، وخضوعًا مقموعًا، يمثلُه عمالقةٌ -في الظاهرِ- وفي الحقيقةِ همْ أقزامٌ ورؤوسُ أزلامٍ، وهمْ حياتٌ وعقاربُ موطوءةٌ تكادُ ألا تنفثَ السمَّ إلا وهيَ تلفظُ الحياةَ.

كانَ تمكينُ الدينِ وقَتها يُمكِّنُ المؤمنينَ من جهادِ أولئكَ المنافقينَ الأسافلِ باليدِ واللسانِ والقلبِ وإقامةِ الحدودِ، وكانَ القرآنُ ينزلُ كاشفًا لخبايا نفوسِهم


(١) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق ٢٢/ ٢/ ١٤٢٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>