للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين أحمده تعالى وأشكره، وأسأله تعالى أن يجعل خوفنا ورجاءنا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونسأله تعالى أن يجعلنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بين للأمة بسلوكه القولي والفعلي ما به يأمنون وكيف ومم يخافون؟ اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى الآل والأصحاب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المؤمنون، وكما أن الخوف من الله من صفات المؤمنين فهو من شروط الإيمان كما قال تعالى {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.

وهو سمة من سمات العلماء العارفين {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بطول غفلة الغافلين، وأمن المفرطين، وقلة خوفهم من رب العالمين، فذلك دليل جهلهم بحقيقة ما هم مقدمون عليه من الأهوال التي يشيب لهولها الولدان، وهو مظهر من مظاهر جهلهم بعظمة خالقهم، ولو قدروا الله حق قدره لخافوه وعظموه وتقربوا إليه.

وهذه مواكب الإيمان قديمًا وحديثًا يتسابقون في عمل الصالحات، ويكفون عن المحرمات، ويمتنعون من ظلم أنفسهم أو ظلم الخلق من حولهم، ومع ذلك كله يبلغ بهم الخوف من الله مبلغه، ويظلون يبكون على خطيئتهم، ويتمنى الواحد منهم لو كان جدثًا أو شجرة تعضد قبل يوم القيامة، فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه أعلم الناس بالحلال والحرام حين حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ولمسلم وأنت أنت، فقال: ما أبكي جزعًا من الموت إن حل بي، ولا دينًا تركته بعدي، ولكن إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>