للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين قدَّر أرزاق العباد، وقسَّم أخلاقَهم، والمغبوط حقًا من وفقه الله علمًا وحلمًا، قال عليٌ رضي الله عنه: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا يباهي الناس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى (١).

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يعطي الدنيا من أحبَّ ومن لم يحب ولكن لا يعطي الدين إلا من أحب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، علَّم الأمة بسلوكه القولي والفعلي، العلم والحلم والرفق والأناة، والخير كل الخير في اتباع سنته واقتفاء أثره.

أيها المسلمون، ولم يكن الأناة والرفق وتسكين الأمور في الفتن سلوكًا خاصًا بابن عمر رضي الله عنهما، بل كان ذلك ديدن الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم، وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أحد المبشرين بالجنة، ثبت عنه أنه قال لابنه حين حث في القيام ببعض الأمور الفتنة قال لابنه: (يا هذا! أتريد أن أكون رأسًا في الفتنة، لا، لا والله) (٢).

بل وصل الأمر بسعد رضي الله عنه إلى أن اعتزل الناس حين وقعت الفتنة ....

ولا شك أن سعدًا وابن عمر وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم تعلموا سلوك الأناة والرفق والنظر في الأمور من محمد صلى الله عليه وسلم الذي أدبه ربُّه فأحسن تأديبه، وزكاه في محكم تنزيله {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ


(١) الإحياء ٩/ ١٦٦٠.
(٢) صالح آل الشيخ، الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>