للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحاسبة، وقصر الأمل (١)

[الخطبة الأولى]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ...

أما بعد فاتقوا الله يا معشر المسلمين، وقوموا بأمره، واجتنبوا نواهيه، إخوة الإيمان، إن اللحظات التي يقف المرء فيها متأملاً متفكرًا لهي من أسعد اللحظات وأنفعها إذا أوتي الإنسان عقلاً حصيفًا ومنطقًا سليمًا .. ذلكم أن الإنسان في هذه الحياة أشبه بسائر فوق ظهر سفينة، تمخر به عباب البحر، فهو إن لم ينتبه لمسيرتها، ويتجنب أسباب عطبها، ويحذر الصوارف التي يمكن أن تصرفها عن طريقها، فلا شك أن مصيرها إلى الغرق، ومصيره هو إلى الهلاك.

وأينا الذي لا يصدق الموت، بل أينا الذي يستبعد نزوله في أي لحظة؟ لقد جلّى لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الصورة، وضرب لنا الأمثلة الموضحة للحقيقة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (غرز عودًا بين يديه، وآخر إلى جنبه وآخر بعد، فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا الإنسان، وهذا الأجل -أراه قال- وهذا الأمل فيتعاطى الأمل فلحقه الأجل دون الأمل) (٢).

ولقد عقل الصحابة والسلف الصالح من بعدهم -رضي الله عنهم أجمعين-


(١) ١٥/ ١/ ١٤١٢ هـ.
(٢) رواه أحمد وغيره بإسناد حسن (شرح السنة ١٤/ ٢٨٥) وفي حديث آخر يقرب لنا الصورة: (هذا ابن آدم وهذا أجله، ووضع يده عند قفاه، ثم بسط فقال: وثم أمله). رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح. (السابق ١٤/ ٢٨٥، ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>