للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.

أيها المسلمون: من مقامات الأنبياء إلى وصايا الحكماء يقص القرآنُ علينا نموذجًا لتربية الآباء ووصاياهم للأبناء، وفضلُ الله يؤتيه من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، ولو كان الحكيمُ عبدًا حبشيًا، قصيرًا، أفطسَ الأنف، ذا مشافر عظيم الشفتين، مشقق الرجلين. وكذا كان لقمانُ الحكيم .. ولكن الله رفع ذكرَه بالإيمان والتقى والصدق واليقين، فقد كان عبدًا صالحًا وآتاه الحكمة ولم يكن نبيًا (١).

وبدت حكمتُه لسيده حين أمره قائلًا: اذبح لي شاةً وائتني بأطيبها مُضغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟

فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبث مضغتين فيها، فألقى اللسانَ والقلب، فقال له: أمرتُكَ أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تُلقىَ أخبثَها فألقيت اللسانَ والقلب؟ قال لقمان: إنه ليس شيء أطيبَ منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثَا (٢).

إخوة الإيمان كم يمرُّ بنا ذكرُ لقمانَ ووصاياه العظام فلا تلفت أنظارنا كثيرًا، وربما لم تحرك عند البعض منا ساكنًا، وفي وصايا لقمانَ لابِنه وهو يعظه دروسٌ


(١) تفسير القرطبي ٤ - ٩/ ٥٩، ابن كثير ٣/ ٧٣١.
(٢) تفسير القرطبي ١٤/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>