الحمد للهِ المستحق للعبادةِ على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ربُّ الشهورِ والأعوام، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله جاءه الوحي من ربّه {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
أما بعد: إخوةَ الإسلام فقد عودكم شهرُ الصيام على الاقتصاد في الطعام والشراب، ومدرسةُ الصوم علمتكم الإقلالَ من الكلام الفارغ معوضين عن ذلك بكثرة الذكر وتلاوةِ القرآن، كما كان من نسماتِ رمضان التخلصِ من خلطةِ السوءِ التي لا يَسلمُ الصوم معها من اللغو والرفث والفسوق والعصيان، كما أحوجكم طولُ القيام إلى تقليلِ ساعات النوم حتى قلَّ معدلُ النومِ في شهرِ رمضانَ عنه في غيرِ رمضان .. تُرى أيُّ نَصيبٍ يُحافظ عليه من هذه بعد انقضاء شهر الصيام .. والعارفون يقولون: إن مفسداتِ القلب على الدوام خمسةُ أشياء هي: كثرةُ الخلطة، والتمني، والتعلقُ بغير اللهِ والشبعُ، والمنام، فهذه الخمسةُ من أكبر مفسداتِ القلب.
فأما كثرةُ الخلطةِ فتملأُ القلبَ من دُخانِ أنفاسِ بني آدم حتى يَسودَّ، ويوجبُ له تشتتًا وتفرقًا، وهمًّا وغمًّا، وضعفًا، وحملًا لما يعجز عن حمله من مؤنةِ قرناءِ السوءِ، وإضاعة مصالحه، والاشتغالِ عنها بهم وبأمورهم، وتَقَسُّم فكرهِ في أوديةِ مطالبِهم وإرادتهم، فماذا يبقى منه للهِ والدارِ الآخرة؟ وكم جلبت خلطةُ الناسِ- من أجلِ الدنيا- من نقمةٍ ودفعت من نعمة.
والضابطُ النافع في أمرِ الخلطةِ أن يخالطَ الناسَ في الخيرِ، كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلمِ العلم، والجهادِ والنصيحة، ويعتزلهم في الشرِّ