للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا طاهرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى .. اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول .. لك الحمد في الأولى ولك الحمد في الآخرة .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المسلمين.

عباد الله .. أما المعنى الثاني الذي تذكرنا به مناسك الحج ولا يكاد يغيب شأنه عن غير الحاج فهو عداوة الشيطان للإنسان .. ولقد سن الخليل عليه السلام لنا في الحج رمي الجمار إشعارًا بمراغمة الشيطان وعصيانه وقطعًا لوساوسه حين عرض له في المناسك، وإذا كان الرمي بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة للشيطان كما ذكر المحققون (١) فإن الاكتفاء بهذا المظهر من مظاهر عداوته، والاقتصار على المراغمة في هذا الزمان والمكان -أعني زمان الحج .. ومكان الحمرة- تقليل من شأن عداوته، وتجاهل لإغوائه في كل زمان ومكان وهو الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهو الذي قعد لابن آدم في أطرقه كلها.

أجل إن مناسك الحج ينبغي أن تكون مذكرة بهذا العدو المتربص بنا قبل خلقنا، أو ليس هو الذي أخرج أبانا آدم عليه السلام من الجنة؟ أوليس قد ابتدأ عداوته لنا بنخسنا يوم أن يخرجنا الله من بطون أمهاتنا؟ وذلك بداية صراخ الطفل عاريًا وفي الحديث الصحيح: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه». الحديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة (٢).


(١) (الشنقيطي، الأضواء ٥/ ٣١٦).
(٢) (صحيح الجامع ٥/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>