الخطبةُ الثانية:
إخوةَ الإسلام: ومنْ قمةِ المعاناةِ والضيقِ التي وجدَها الثلاثةُ الذينَ خُلِّفوا .. إلى قمةِ الفرح والبشرى بالتوبةِ تنزلُ منَ السماء، وبالفرجِ بعدَ الكَرْبِ يأذنُ بهِ اللهُ وينزلُ بهِ القرآنُ منَ السماء .. وتتجاوزُ الفرحةُ نطاقَ الثلاثةِ إلى عمومِ المسلمينَ لتكشفَ هذهِ الحادثةُ- فيما تكشفُه- طبيعةَ مجتمعِ المسلمينَ وما فيهِ منْ معاني الأُخوَّةِ الصادقةِ والتكافلِ والمحبة .. فتراهمْ يعتذرونَ بالحُسنى عنِ الغائب، ويَحْمونَ عِرْضَ المتخلِّف ما دامَ مشهودًا لهُ بالخيرِ والصلاح، وهمْ- وإن هجروهُ لمصلحةٍ واستجابوا لأمر اللهِ ورسولِه- فهمْ كذلكَ يفرحونَ بالخيرِ يُصيبُه، بلْ يتسابقونَ لتهنئته .. وترى الرجلينِ يتنافسانِ في سرعةِ البشرى له، وأيُّهما يوصلُ لهُ الرسالةَ أولًا .. فأحدُهما يمتطي صهوةَ جوادهِ مسرعًا، والآخرُ يعلو جبلًا فيرفعُ صوتَهُ مُبشرًا .. وثالثٌ يقومُ يحتضنُ ويُهنِّئُ وأفواجٌ على إثرِ أفواجٍ تُبشِّر بالخير .. وهكذا .. فما أجملَها منْ صورةٍ تمثلُ المجتمعَ الإسلاميَّ المتماسكَ ..
ودُونَكمُ الصورةَ بجلاءٍ يُعبرُ عنها بكلِّ وضوحٍ كعبُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، حينَ نزلتْ توبتهُ ويقول:
فلما صليتُ صلاةَ الفجرِ صُبْحَ خمسينَ ليلةً، وأنا على ظَهْرِ بيتٍ منْ بيوتنا، فبينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكرَ اللهُ، قدْ ضاقتْ عليَّ نفسي وضاقتْ عليَّ الأرضُ بما رَحُبتْ، سمعتُ صوتَ صارخ أَوْفَى على جبلِ سَلْعٍ بأعلى صوتِه: يا كعبَ بن مالك، أبشِرْ، قال: فخررتُ ساجدًا، وعرفتُ أنْ قدْ جاءَ فرجٌ، وآذنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بتوبةِ اللهِ علينا حينَ صلى صلاةَ الفجر، فذهبَ الناسُ يبشِّروننا، وذهبَ قِبَلَ صاحبيَّ مُبشِّرون، وركضَ إليَّ رجلٌ فَرَسًا، وسعى ساعٍ منْ أسَلَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute