للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين، يحكم ما يشاء ويختار، لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه .. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فهذه إطلالةٌ على نموذج من المحن والشدائد التي نزلت يومًا من الدهر بالمسلمين، وهذه لمحة خاطفةٌ عن بعض أحداث غزوة أحد، ما أحرانا بتأملها، والاستفادة من عبرها، ألا ما أحوجنا في هذه الظروف إلى قراءة كتاب الله، بشكل عام، وإلى قراءة ما نزل تعقيبًا على هذه الغزوة الكبيرة في تاريخ المسلمين، بشكل خاص، وقد نزل حول أحداث غزوة أحد ثَمَان وخمسون آية من سورة آل عمران، ابتدأت بذكر أوّل مرحلة من مراحل الإعداد لهذه المعركة {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} (١) وتركت في نهايتها تعليقًا جامعًا على نتائج المعركة، وحكمتها، والله يقول: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (٢).

أجل، لقد تميز الناس على حقيقتهم في غزوة أحد، فكانوا ثلاث طوائف سوى الكفار، وإذا كان مر معنا طائفة من المؤمنين، ثبتت حول النبي، صلى الله عليه وسلم، تحوطه، وتدافع عنه حتى استشهد من استشهد منهم، وجرح من جرح، فثمة طائفة أخرى من المؤمنين، حصل منهم ما حصل من توَلٍّ وفرار، واستزلهم


(١) سورة آل عمران، الآية: ١٢١.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>