للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.

أيها الإخوة المسلمون ثمة ما يقضي به المسلمون أوقاتهم، ويتقربون به إلي خالقهم ألا وهو الجهاد في سبيل الله والمرابطة في ثغور المسلمين، وهذا أبو طلحة رضي الله عنه شيخ كبير، ومع ذلك يقرأ قوله تعالى {انفروا خفافا وثقالاً} فيقول: استنفرنا الله وأمرنا شيوخًا وشبابًا، جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله، إنك قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، ونحن نغزو عنك الآن، قال: فغزا البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير» (١).

ولئن عجبت من همة هذا الشيخ الكبير واستثمار عمره حتى الممات، فعجبك سيكون أعظم حين تقف على همة شيخ ضرير عذره الله وأنزل بشأنه وأمثاله قوله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} (٢) ومع ذلك كان يغزو بعد ويقول: ادفعوا إليّ اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفرّ وأقيموني بين الصفين (٣). ويقال: إنه قاتل رضي الله عنه يوم القادسية، وفي رواية أخرى: شهدها ومعه الراية، ويقال: إنه استشهد يوم القادسية (٤).

وإذا كانت تلك همة هؤلاء فلا تسأل عن همم من سواهم! ويكفيك أن تقف على مقولة سيف من سيوف الله أبلى في الجهاد بلاءً حسناً، وأمضى حياته بين


(١) رواه ابن سعد والحاكم بسند صحيح، السير ١/ ٣٤.
(٢) سورة النساء، الآية: ٩٥.
(٣) أخرجه ابن سعد، السير ١/ ٣٦٤.
(٤) السير ١/ ٣٦٤، ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>