للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله حَمْد الشاكرين الذاكرين، وأشهد ألا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله ورضي عن أصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد إخوة الإيمان، اتقوا الله وأطيعوه، واهتدوا بهدي رسوله ولا تخالفوه، واعلموا أن الأجل قصير والموت قريب، وكل آت قريب.

ثم اعلموا أن الوظيفة الرابعة للرسل- عليهم السلام- صلاح النفوس وتزكيتها، وهذه من رحمة الله بعباده أن يحيي نفوسهم بالوحي، وينور بصائرهم بالهدى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (١). وتأملوا كيف سمى الله رسالته روحًا، والروح إذا عدم فقدت الحياة، ثم تأملوا- كذلك- كيف يضرب الله المثل ويشبه الوحي المنزل من السماء على أيدي الرسل بالماء الذي ينزل من السماء، فتكون به حياة الأرض، يقول تعالي: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} (٢).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- معلقًا على هذه الآية: (فشبه العلم بالماء المنزل من السماء، لأن به حياة القلوب، كما أن المراد بالماء حياة الأبدان


(١) سورة الشورى، الآية: ٥٢.
(٢) سورة الرعد، الآية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>