للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ أضحكَ وأبكى وأماتَ وأحيا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، إليه المنتهى وعليه النشأةُ الأُخرى، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسوله خيرةُ الأنبياءِ عليهم السلام، وصفوةُ الخلقِ - اللهمّ صلّي وسلم عليه وعلى إخوانِه وآله ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ المُلتقى.

إخوةَ الإسلام: لا جُناح أن يفرحَ الناسُ بالعيد، ففريقٌ إلى البريةِ يَرحلونَ، وفي كونِ الله الفسيحِ يتفكرونَ، وفريقٌ آخرُ يجتمعون ويلتقونَ لصلةِ ذوي القُربى في البيوتِ أو الاستراحاتِ .. فيأنسُ بعضُهم ببعضٍ ويتآلفونَ على الخيرِ، ويتعاونونَ على البِرِّ والتقوى، ولا خيرَ فيمن لا يألفُ ولا يُؤلف، وإذا تباعدتْ بالناسِ الدِّيارُ أو فرّقتهم أنواعُ الأعمالِ وأماكنُ الارتباطاتِ، ففي أيامِ العيدِ والإجازاتِ فرصةٌ لتعويضِ ما فاتَ ووَصْلِ ما انقطعَ.

نعم أيّها المسلمونَ، كم هو عظيمٌ الإسلامُ في تشريعاتِه، يدعو إلى الصِّلةِ والقُربى والأُنسِ والمحبةِ، ويجزي على ذلك الجزاءَ الأوفى .. لقد تعلّقتِ الرحمُ بالرَّحمن حين خَلَقَ الخلقَ وقالت: «هذا مقامُ العائذِ بكَ من القَطيعةِ، فقال اللهُ - عز وجل -: ألا تَرْضيْنَ أن أَصِلَ من وَصَلَكِ، وأقطعَ من قَطعكِ؟ قالت: بلَى، قال: فذاك» (١).

أجل، يكفي الواصلينَ أجرًا وفخرًا أن يصلَهُم الرحمنُ .. وكفى للقاطعين عقوبةً أن يقطعَهُم الله؟

وفي كتاب الله جاءَ الربطُ بين قطيعةِ الرحمِ والإفسادِ في الأرض، فقال


(١) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، من حديث أبي هريرة برقم (٥٩٨٧). ومسلم، كتاب الأدب، باب صلة الرحم وتحريم قطعيتها برقم (٢٥٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>