للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمدُ لله ربّ العالمين نصرَ دينَه، وأعزّ جندَه، وهزمَ الأحزابَ وحده، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، من توكلَ عليه وفَّقهُ وهَداه، ومن اتقاهُ كفاه وجعلَ له المخرجَ والنجاةَ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه علّمَ الأمةَ مفهومَ الصيامِ الحقِّ، وحذَّرها من خوارمِ الصيامِ فقال: «مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به، فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَهُ» (١).

اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ النبيينَ والمرسلينَ.

إخوةَ الإسلام: أيها الصائمونَ، إن مجردَ الإمساكِ عن الطعامِ والشرابِ ليس مقصودَ الإسلامِ من وراءِ الصيام، بل لعلّ ذلك أهونُ الصيام، كما قالَ أحدُ السلفِ: أهونُ الصيامِ تركُ الطعامِ والشرابِ. بل المقصودُ الأعظمُ من الصيامِ تربيةَ النفسِ على الطاعةِ للهِ، وتزكيتُها بالصبر، واستعلاؤُها على الشهواتِ، وكما يُحفظ البطنُ ويُمنعُ من دخولِ المباحاتِ المُفطرةِ حالَ الصيام، فمن باب أولى أن تمنعَ العينُ عن النظرِ في الحرام، والأذنُ عن سماعِ المحرمِ، واللسانُ عن قولِ الزورِ والآثام.

قال جابرٌ رضي الله عنه: إذا صمتَ فليصمْ سمعُك وبصرُكَ ولسانُكَ عن الكذبِ والمحارم، ودَعْ أذى الجارِ، وليكن عليكَ وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومِك، ولا تجعل يومَ صومِكَ وفطرِكَ سواء (٢).

إن مفهومَ الصيامِ الحقِّ حين اختلّ عند نفرٍ من المسلمينَ شاعت الغيبةُ


(١) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم، برقم (١٩٠٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) لطائف المعارف، لابن رجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>