للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخطبةُ الثانية:

الحمدُ لله، أحلَّ الحلال وبيَّنهُ، وحرّمَ الحرامَ ونهى عنه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلمْ عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين.

وبعدُ: إخوةَ الإيمانِ، فقدْ كشفَ العلماءُ عنْ أنواعٍ كثيرةٍ منَ الحِيَل، وفي «إعلامِ الموقِّعين» لابنِ القيمِ رحمهُ الله من ذلكَ شيءٌ كثير، وبه ناقشَ حُججَ المجيزين للحيلِ إجمالًا وتفصيلًا .. وخوّفَ المحتالينَ باللهِ وحذَّرهمْ منْ مغبَّةِ الوقوفِ بين يديه فقال:

فحقيقٌ بمنِ اتقى اللهَ وخافَ نكالهَ أنْ يحذرَ استحلالَ محارمِ اللهِ بأنواعِ المكرِ والاحتيال، وأنْ يعلمَ أنَّ للهِ يومًا تكِعُّ فيه الرجالُ وتُنسفُ فيهِ الجبالُ، وتترادفُ فيهِ الأهوالُ، وتشهدُ فيهِ الجوارحُ والأوصالُ، وتُبلى فيه السرائرُ وتظهرُ فيهِ الضمائرُ، ويصيرُ الباطلُ فيه ظاهرًا والسرُّ علانيةً والمستورُ مكشوفًا، والمجهولُ معروفًا ويُحصَّلُ ويبدو ما في الصدورِ كما يُبعْثَرُ، ويخرجُ مَنْ في القبورِ وتُجرى أحكامُ الربِّ تعالى هنالكَ على القَصْدِ والنباتِ كما جرتْ أحكامُه في هذهِ الدارِ على ظواهرِ الأقوالِ والحركات، يومَ تبيَضُّ وجوهٌ بما في قلوبِ أصحابِها منَ النصيحةِ للهِ ورسولهِ وكتابهِ وما فيها منَ البرِّ والصدقِ والإخلاصِ للكبير المُتعالِ، وتسودُّ وجوهٌ بما في قلوبِ أصحابِها من الخديعةِ والغشِّ والكذبِ والمكرِ والاحتيالِ، هنالك يعلمُ المخادعونَ أنهمْ لأنفسهمْ كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبونَ وما يمكرونَ إلا بأنفسهمْ وما يشعرون (١).


(١) إعلام الموقعين ٣/ ١٦٣، ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>