الحمدُ لله ربِّ العالمين، أشهدَ نفسَه وملائكتَه وأولي العلمِ على وحدانيتِه وقيامِه بالقسط، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له يُحبُّ المقسطين، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، جاءت شريعتُه محقِّقةً للعدل، داعيةً للمودةِ والائتلاف، وناهيةً عن الفرقةِ والشقاقِ والتباغضِ، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عبادَ الله: ومن قواعدِ الائتلاف استيعابُ المخالِفِ واستمالتُه للحقِّ بهدوءِ العبارة وحُسن المجادلةِ، وفتحِ الفرصِ المناسبةِ للحوار البنّاء، والوصولِ إلى نتائجَ طيبةٍ، أجل إن الله عز وجل وجَّه رسولَه صلى الله عليه وسلم في الحوار مع المشركين أن يقولَ لهم:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(١).
فالرسولُ صلى الله عليه وسلم على يقينٍ أن ما عليه هو الحقُّ، وما عليه المشركونَ باطلٌ، ولكنه أسلوبٌ من أساليبِ الحوار يُستمالُ به الخصمُ للحقِّ، ولا يقطعُ الطريقَ عليه لأول وَهْلَةٍ .. وإذا أخطأنا في أساليبِ الحوارِ مع إخواننا المسلمين، ولم نُعطِ أيَّ فرصةٍ لإبداء وجهةِ نظرِ الطرف الآخرِ، فعلينا أن نقرأ في السيرة النبوية وسنجدُ فيها أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يحاورُ رمزًا من رموز الجاهليةِ ووَتًدا من أوتادِ قريش قال له:«قُل يا أبا الوليدِ أسمعْ». ولا يُبادرُه بسهام الحقِّ - وهو الأعلى - حتى يقولَ له:«أفرغتَ يا أبا الوليد؟ ». إنه ليس ضعفًا ولا تزلُّفًا ولا نفاقًا، وإنما الرغبةُ في استمالته ودعوتِه للحقِّ .. وقد كان شيءٌ من هذا .. ودخل في نفس الوليدِ شيءٌ من عظمةِ محمد صلى الله عليه وسلم وعظمةِ القرآن، حتى قالت قريش: والله لقد جاءكم الوليدُ بغير الوجهِ الذي ذهب به.