للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

عباد الله: وحين ينهى لقمان ابنه عن التكبُّر والخيلاء في الهيئة أو المِشية، وفي التعامل مع الناس أو تعاظم النفس وغرورها وعُجبِها، فهو يأمرُه بالاعتدال في مشيه والقصد فيه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} (١)، والمعنى: امشِ مشيًا مقتصدًا ليس بالبطيءِ المتثبِّط، ولا بالسريع المفرط، ومشية متواضعة، هي وسطٌ بين مشيةِ المرحِ والبطرِ والتكبر، ومشية التماوتِ والتباطُؤ، فالمشيةُ المحمودةُ وسط بين مشيتين مذمومتين، وعلى المربين أن يعوا هذه اللفتة التربوية، فيمنعون ما يحرم، ويقدمون البديل الحلال، كما أن عليهم نزع الخلقِ المذموم قبل إعطاء البديل المحمود، فالتخليةُ قبل التحلية كما يُقال.

أيها المسلمون:

ولا ينسى لقمانُ - في وصاياه لابنه - أن يعلمه أدبَ الحديث إذا نطق: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (٢)، والغضُّ من الصوت فيه أدبٌ وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته، وما يزعقُ أو يُغلظ في الخطابِ - دون حاجة - إلا سيِّئ الأدب، أو شاكٌّ في قيمة قوله، أو قيمة شخصه يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق (٣).

وحتى يَقْبَح رفعُ الصوتُ ويُستهجن إغلاظه يُضرب لذلك مثلٌ تشمئز منه


(١) سورة لقمان، الآية: ١٩.
(٢) سورة لقمان، الآية: ١٩.
(٣) الظلال: ٥/ ٢٧٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>