للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمدُ للهِ غافرِ الذّنْبِ، وقابلِ التوبِ، شديدِ العقاب، ذي الطّوْلِ، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له «يبسطُ يدَه بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليلِ، حتّى تطلعَ الشمسُ من مغربها» (١).

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أخبر وهو الصادقُ الأمينُ، أن الله أفرحُ بتوبةِ العبدِ من رجلٍ أضاع راحلَته وعليها متاعُه في أرضٍ فلاةٍ حتى أيسَ منها، فلما اشتدت حاجتُهُ إلى الشراب إذا بالراحلةِ عند رأسِه. اللهمّ صلِّ وسلّم عليه وعلى سائر الأنبياءِ والمرسلين:

إخوةَ الإسلامِ: وللتوبةِ فضائلُ كثيرةٌ، جاءتَ في آياتِ الكتاب وفي سنةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، والأمرُ بها يتكرّرُ على الأسماع، وقَلَّ من يستجيبُ .. ومن أخطائنا تأجيلُ التوبةِ، فقد يعلمُ المرءُ ذنبَه أو ذنوبَه، ولكنه يعيشُ على أملٍ خادعٍ لا يدري أيدركهُ أم تخرمه المنيةُ دونَه.

وحتى لو تمكّن من التوبةِ بعد حينٍ، فعليه ذنبُ التأخير.

قال ابنُ القيم رحمه الله: المبادرةُ إلى التوبة من الذنبِ فرضٌ على الفور، ولا يجوز تأخيرُها، فمتى أخّرَها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبةٌ أخرى، وهي توبةُ تأخيرِ التوبةِ .. وقَلَّ أن تخطرَ هذه ببالِ التائب (٢).

ويقول ابنُ الجوزيِّ رحمه الله - مخاطبًا الذين يؤخِّرون التوبةَ-: «يا بطّالُ، إلى كم تؤخّر التوبةَ، وما أنتَ في التأخير معذورٌ؟ إلى متى يُقال عنك: مفتونٌ مغرورٌ؟ يا مسكينُ قد انقضتِ أشهرُ الخير وأنت تَعدُّ الشهورَ، أتُرى مقبولٌ أنتَ


(١) رواه مسلم برقم (٢٧٥٩).
(٢) مدارج السالكين ١/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>