للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، ولا عُدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه المبعوثُ رحمةً للناسِ أجمعينَ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلينَ.

إخوةَ الإسلامِ: وانقلبتْ أحوالُ الجزيرةِ من مَسْرحٍ للأحداثِ والحروبِ .. تتهارشُ فيها البشرُ كما تتهارشُ الوحوشُ الضاريةُ، وتتطاحنُ القبائلُ والأممُ لأدنى سببٍ، إلى واحةٍ للأمنِ والإيمانِ، يسيرُ الراكبُ فيها من صنعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ ومنْ بلادِ فارسَ إلى بلادِ الرُّومِ - بلْ وأبعدَ منْ ذلكَ - لا يخافُ إلا اللهَ والذئبَ على غَنَمِهِ.

إنَّه الإسلامُ غيَّرَ تفكيرَ الشعوبِ .. ونقلَ الطاقةَ المُهدَرةَ ووظَّفَها في مجالاتٍ بنائيةٍ نافعةٍ، فعادَ الكونُ يُعمرُ بذِكْرِ اللهِ، وعادتِ الحياةُ بلونٍ جديدٍ وطعمٍ جديدٍ .. يَشعرُ الضعيفُ بحقِّهِ وحمايتِه كما يشعرُ القويُّ بذلكَ تمامًا.

وعادَ المحارِبونَ بلا هدفٍ يحملونَ راياتِ الجهادِ فاتحينَ وداعينَ إلى الدِّينِ الحقِّ .. وليستْ حركةُ الفتوحِ الإسلاميةِ انتشارًا للإسلامِ بحدِّ السيفِ، أو بِلُغةِ القوةِ كما يحلو للمستشرقينَ وأتباعِهمْ أن يروِّجُوهُ .. بلْ كانتْ دعوةً إلى دينِ اللهِ، وفتحًا للقلوبِ بالقرآنِ قبلَ فتحِ البلادِ بالقتالِ، ولمْ يكنِ القتالُ حركةً توسُّعيةً تهدفُ إلى السيطرةِ والاستعلاءِ .. ولكنَّها كانتْ تعميمًا للخيرِ في أرضِ اللهِ، ونشرًا للعدلِ، ومحاصرةً للباطلِ، وقمعًا للمبطِلينَ، وحينَ يُحطِّمُ المسلمونَ المجاهدونَ القياداتِ الظالمةَ يكونُ شعارُهم: {لَا إِكْرَاهَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>