للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين وفق من شاء لطاعته وتقواه .. وأضل آخرين، ومن يضلل الله فما له من هاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله وأصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

إخوة الإيمان! في سبيل صبر مصعب على الدعوة ومصابرته على الشدة واللؤى يحدثنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيقول: كنا قبل الهجرة يصيبنا ظلفُ العيش وشدته فلا نصبر عليه، فما هو إلا أن هاجرنا، فأصابنا الجوع والشدة فاستضلعنا بهما وقوينا عليهما، فأما مصعب بن عمير فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا لم يقوَ على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية، ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع أن يمشي فنعرض له القسي ثم نحمله على عواتقنا .. (١).

عباد الله! أولئك أقوام هانت الدنيا في عيونهم، عظموا أمرَ الله وامتثلوا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وقدموه على من سواه كائنًا ما كان، ودونكم هذا الموقف من مصعب وما فيه من تقدير للنبي صلى الله عليه وسلم على أقرب الناس له. فقد روى ابن سعدٍ أن مصعب بن عمير قدم من المدينة إلى مكة مع السبعين من الأنصار الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية ليبايعوه، وقد قدم مصعب أول ما قدم على منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عن الأنصار وإسلامهم وأحوالهم، فعلمت أمُّه بمقدمه فأرسلت إليه تقول: يا عاق أتقدم بلدًا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت


(١) رواه ابن إسحاق وغيره وفيه انقطاع، سير أعلام النبلاء ١/ ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>