للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثبات في المحن ودروس من غزوة أحد (١)

[الخطبة الأولى]

إخوة الإيمان، ونحن نقف على نهاية أيام عام هجري يؤذن بالانصرام حريٌّ بنا أن نتأمّل ونتفكَّر في أحداثه، وعِبري، وقد اشتمل على مسراتٍ وأحزان، وتوفّرت فيه الصحة لأقوام، وأقعد المرض آخرين، وفيه من شارف على الهلكة ثم متعه الله إلى حين، وفيه من فاجأته المنية، واحترمه ريب المنون، فيه قدّر ربّك الغنى لقوم، وأقنى الآخرين، وفيه أضحك ربّك وأبكى، وأمات وأحيى، وعليه النشأة الأخرى، كما اشتمل العام على قتل فئام من الناس، وتشريد آخرين، وإيذاء طوائف من المسلمين، لا ذنب لهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (٢).

أيها المسلمون، لا غرابة أن يقع هذا وغيره، فما هذه الدار بدار قرار، وليست خلوًا من المنغصات والأكدار، ويعلم العارفون أن هذه الدنيا لا يدوم على حال لها شأن، وأنها متاع الغرور، وأنها دار امتحان وابتلاء، ويخطئ الذين يغترّون بزينتها، فيفرحون بما أُوتوا وإن كان من حتفهم، ويأسون على ما فاتهم وإن كان خيرًا لهم، وكذلك يوجه القرآن، وما أسعد من يفقه توجيه القرآن: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا


(١) في ٢٦/ ١٢/ ١٤١٥ هـ.
(٢) سورة البروج، الآية: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>