الحمد لله رب العالمين كتب على ابن آدم حظَّه من السعادة والشقاء والفقر والغنى فهو مدرك ذلك لا محالة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يشاءُ ويختار وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه كان أعظمَ الناس مسؤولية وأحسنَهم خُلُقًا اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أما بعد إخوة الإسلام فإذا اهتم أقوامٌ لشيء من محقراتِ الدنيا فاتتهم، أو حزن آخرون على مرتبةٍ من مراتب هذه الحياة لم ينالوها، أو بات القلقُ منكدًا لحياة فئامٍ من الناس وقد لا يحددون مصدرَه، فثمة فئةُ أخرى تُعد من خواصِ الناس ونبلائهم تحزنُ على تفريطها وتقصيرها في خدمة ربِّها وعبوديته، أو تحزنُ على تورطها في مخالفته ومعصيته وضياع الأيام والأوقات، وهذا دليلٌ على صحة الإيمان في القلب وكلما كان القلبُ أشدَّ حياةً كان شعورُه بهذا الألم أقوى .. ولكن الحزنَ وحده لا يجدي عليه بل يُضِعفه، والذي ينفعُه أن يستقبلَ السيرَ، ويجدَّ، ويُشمر، ويبذل جهده.
وأخصُ من هؤلاء من يحزن على جزءٍ من أجزاءِ قلبِه، كيف هو خالٍ من محبة الله، وعلى جزءٍ من أجزاء بدنِه كيف هو منصرفٌ في غيرِ محابِّ الله (١).
أيها الإخوة المؤمنون، إذا عرفتم الحزن المذموم، والممدوحَ فكيف يُدفع الحزن، وكيف يتحولُ إلى عملٍ مثمر ويتجاوزُ صاحبُه السلبية والقلق؟
يقول الإمامُ ابن القيمِ رحمه الله وهو يذكر حزنَ الخواصِ من الناس والتي سبقت الإشارةُ إلى شيء منها: «فهذه المراتبُ من الحزن لابد منها في الطريق، ولكن الكيسَ لا يدعُها تَملكُه وتُقعده، بل يجعلُ عوضَ فكرتِه فيها فكرتَه فيما يدفعها