للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

عباد الله والتعالم آفة أخرى يصاب بها بعض الناس فيعتقد أنه عالم بكل شيء .. وقد يكون يجهل معظم الأشياء وقد يسوغ المتعالم لنفسه أن يتحدث في كل شيء وهو لا يجيد الحديث إلا في بعض الأشياء .. وقد ينصب من نفسه مفتيًا في كل شيء .. ويرى أن من العيب أن يقول أحيانًا لا أدري .. مع أنها نصف العلم يقول ابن حزم رحمه الله: لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون» إنك ترى من الناس من يكتب متخوضًا في كل شيء، وقد يأتي بالعجائب، بل وفي الطوام فيما يكتب أحيانًا .. ويفهم النصوص على غير ما وضعت له، وربما اتهم أشخاصًا عالمين بما ليسوا أهلًا للإتهام به.

وقد ترى أو تسمع من شاب صغيرًا حديثًا أو فتوى في أمر عظيم .. لو عرضت على أمثال عمر لجمع لها أهل بدر ..

-وربما سمعت إلى فتوى تعجب منها النساء فضلًا عن الرجال لغرابتها .. ولا ضير على من سأل عن ما لا يعرف أن يجيب بلا أدري .. ومن روائع ما يروى عن العلماء الربانيين في هذا، قال الزهري عن خالد بن أسلم: خرجنا مع ابن عمر فمشى فلحقنا أعرابي فقال: أنت عبد الله بن عمر؟ قال: نعم، قال: سألت عنك فدللت عليك، فأخبرني: أترث العمة؟ قال (ابن عمر) لا أدري، قال: (الأعرابي) أنت لا تدري؟ قال: نعم، اذهب إلى العلماء بالمدينة فسألهم فلما أدبر قبَّل يديه وقال: نعمًا قال أبو عبد الرحمن سئل عما لا يدري فقال: لا يدري (١).


(١) (مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>