إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ..
أيها الإخوة المسلمون ولا نزال في شهر الله المحرم، وهو شهر الإيمان والصدق واليقين والتوكل، إنه شهر الملحمة والنصر، والعسر واليسر، والنجاة والهلاك محرم شهر الصبر والشكر، والمدافعة والبلاء، لقد ابتلي المؤمنون من قوم موسى عليه الصلاة والسلام حين اتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا واضطرهم المسير ليلاً إلى الانتهاء إلى ساحل البحر، وأحسوا أنهم مدركون وهالكون فالعدو الظالم من خلفهم، والبحر الهائج أمامهم .. وأين المفر؟ إلا إلى الله الغالب المقتدر .. وكانت اللحظة حاسمة، وكان يقين المؤمن المرسل موسى عليه الصلاة والسلام، وهو يتصور عظمة الله وقدرته وهدايته ونصره للمؤمنين ويقول بكل ثقة وتوكل {كلا إن معي ربي سيهدين} وانفلق البحر فكان {كل فلق كالطود العظيم، وأزلفنا ثم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لأية}.
وكما استحالت النار من قبل - بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأمر الله، فقد استحال البحر العميق المضطرب يبسًا في زمن موسى حتى لا يخاف هو والمؤمنون معه دركًا ولا يخشى.
جلت قدرة ربنا إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، ومن ينصره فلا غالب له، وكذلك يتعلق المؤمنون بمعاقد الإيمان في كل حين، ويزيد تعلقهم في أزمان
(١) ألقيت هذه الخطبة في ٢٦/ ١/ ١٤٣٠ هـ[أول خطبة في جامع قرطبة]ـ