الحمد لله على آلائه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة مقرّ بوحدانيته وجلاله وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، فتركها على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
أيها الإخوة، يسيرٌ على النفس أن تُعلق أخطاءها على غيرها، ومرغوبٌ عندنا أن نبحث في أي مشكلة تواجهنا عن عنصر آخر خارج محيطنا لنلصق به التهمة .. ذلك ضعف فينا، وقصور في إرادتنا، وعجزٌ عن مواجهة أنفسنا بأنفسنا، ولو أن كل واحد منا تحمل أخطاءه بنفسه، وبحث في سيرته عن أسباب ما أصابه، وعالج الخطأ، وأناب إلى الصواب، لصلحت الحياة بنا، وصلحت أحوالنا.
ومشكلةٌ أخرى لدينا، هي أننا ننسى- أحيانًا- ما يأتينا من خير من الله، ومن نعمة الصحة، والولد، والمال وغيرها .. وهي كثيرةٌ، لا تعد ولا تُحصى. {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(١). وفي المقابل نتألم لأي نازلة تنزل بنا، ونتضايق عند وقوع أي مصيبة فينا، حتى ولو كانت صغيرة إلى جانب نعم الله علينا، فهل ذلك من العدل والإنصاف، أم إن ذلك سببه تقصيرنا في طاعة الله، وفي سلوك، وفي أداء فرائضه؟ وهذا يذكرنا بقوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ