للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانية:

أيها المسلمونَ: كيف انتصرَ المسلمون على أعدائِهم في الماضي، وكيف هُزِموا بعدُ، وكيف ينتصرُ المسلمون اليومَ وغدًا على عدوِّهم؟ تلك أسئلةٌ سَهلةٌ صعبة .. فما أسهلَ الحديثَ عنها، وما أعظمَ القيامَ بها .. وبكلِّ سهولةٍ يمكن القولُ: إنَّ المسلمين أسلافَنا انتصروا على عدوِّهم حين انتصروا على أنفسِهم، وخافهم عدوُّهم حين خافوا من ربِّهم، نَصَروا دينَ الله فنصرهم الله، وجاهدوا في سبيلِ الله مخلِصين فتحقَّقَ على أيديهم من النصرِ والتمكينِ والفتحِ المبينِ ما يشهدُ به العدوُّ والصديق، كانوا يبحثون عن الموتِ فتُوهَبُ لهم الحياةُ، وكانوا يتطلَّعون إلى الشهادة ويسألونَ ربَّهم أن يُبلِّغَهم إياها .. لقد قذفَ الله في قلوبِهم العزةَ بالإسلام وقال قائلهم: «نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام، ومهما ابتَغَيْنا العِزةَ بغيره أذلَّنا الله»، فقذف الله في قلوبِ أعدائِهم الرعبَ والمهابةَ منهم؛ والرعبُ بدايةُ الهزيمةِ.

تاقتْ نفوسُهم وتعالَتْ في الدنيا .. فكانت الآخرةُ همَّهم، وهجروا الأرضَ والأوطانَ والعشيرة والأزواجَ جهادًا في سبيل الله ودعوةً إلى دينه .. ووقف فارسُهم على جانب البحر وقال: واللهُ لو أعلمُ أن هناك أرضًا وقومًا خلفَ هذا البحرِ لم تبلُغْهم دعوةُ الإسلام، وتستطيعُ الخيلُ أن تصلَه، لأوطأْتُها إياه.

كانوا يتسابقون إلى الجهادِ في سبيل الله ومقارعةِ الأعداء .. يستوي في ذلك الشبابُ والكهولُ والأسوياءُ وأهلُ الأعذار، فالأعرجُ يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقد منعه أبناؤه من القتالِ ويقول: يا نبيَّ الله إني أريدُ أن أطأَ بعَرْجتي هذه الجنةَ، فلا تَحرِمْني من الجهادِ. فيأذنُ اللهُ فيُستشهَد! والأعمى يقول لأصحابه: إنني رجلٌ أعمى لا أستطيعُ الفرار، فأعطوني الرايةَ أحملها. فيُستشهَد والشبابُ بين يديْ

<<  <  ج: ص:  >  >>