للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصارعون ليُثبِتوا مقدرتَهم على القتال، فيَقبَلُ من يَقبَل منهم، ويرجئُ آخرين لعدمِ بلوغهم ومقدرتِهم حتى يبلُغوا في المعركة القادمة، وهكذا.

بل حتى النساء لهذا الجيل- وهنَّ ممن عَذَرَ اللهُ عن الجهاد- كنَّ يشاركنَ في الجهاد، يداوِينَ الجَرحى ويَسقِينَ العطشى من المسلمين المجاهدين- وربما حملنَ السلاح ونكَأْنَ العدوَّ، بل ربما استحقَّت إحداهن لقب (المجاهدة) كنُسَيْبة بنت كعب التي شهدت أُحدًا وقال عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَمُقامُ نسيبةَ بنتِ كعبِ اليومَ خيرٌ من مُقامِ فلانٍ وفلان»، وشهدتْ حمراءَ الأسدِ ودمُها ينزِف وشهدت الحديبيةَ، ويومَ حُنينٍ، ويومَ اليمامة، وبها قُطِعَت يدُها، وجُرحت يدها، وجُرحت سوى ذلك أحدَ عشرَ جُرحًا .. رضي الله عنها وأرضاها (١).

أما المُوسِرون وأهلُ الثراءِ من المسلمين فكانوا يَبذُلون أموالَهم رخيصةً في سبيل الله وتجهيزِ المجاهدين، وربما تسابقَ اثنان منهم فأتى أحدُهما بنصفِ ماله، وجاء الآخر بمالِه كلِّه، ذلك شأن الخيِّرينِ (أبي بكر وعمر) رضي الله عنهما، أما عثمانُ وابن عوفٍ وأمثالُهما فما ضَرَّهُم ما فعوا بعد تجهيزِ جيشِ العُسرة، وتبقى في المجتمع فئةٌ شاذَّةٌ منافقة يَلمِزون المطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات.

أما الفقراءُ الذين لا يجدون ما ينفقون، ولا ما عليه يحملون، فتفيضُ أعينُهم بالبكاء حزنًا ألاَّ يجدوا ما ينفقون، ولا يَضِيرُهم سُخْريةُ الساخرين بهم، فأولئك سَخِرَ اللهُ منهم.

نعم لقد كان أولئك الفاتحونَ يقاتلون في سبيلِ الله ولا يخافون لَوْمةَ لائمِ كتب اللهُ في قلوبِهم الإيمانَ فكانوا يُوالُون أو يعادُون في الله ولله، ويقاتلون من يَكفُر ولا يُوادُّون من حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا آباءَهم أو أبناءَهم أو إخوانَهم أو


(١) الذهبي: سير أعلام النبلاء ٢/ ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>