الحمد لله رب العالمين وفق من شاء لطاعته، وأعان أولياءه على استخدام زينة الحياة الدنيا في الوصول إلى الزينة الحقيقية الكبرى، وافتتن آخرون فأشغلتهم الدنيا عن الدين، وصرفتهم الحياة الفانية عن التأمل والمسارعة للحياة الآخرة الباقية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين.
أيها المؤمنون، انظروا في واقعكم، وتأملوا في نهايتكم، واستعدوا للقاء ربكم، واحذروا الفتنة فيما حولكم، وحيث قد علمتم زينة الحياة الدنيا والآخرة والفرق بينهما كبير، فإن لمتاع الحياة الآخرة وزينتها الباقية ثمنًا ليس بالعسير ولا المستحيل، بل هو يسير على من يسره الله عليه، وهو ما ذكره تعالى في الآية الثالثة بعد الآيتين السابقتين فقال: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (١).
ثم قال تعالى في وصفهم (الصابرين) والمعنى صابرون في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات .. ولاشك، إخوة الإسلام، أن الطاعات تكليف يحتاج إلى الصبر والمصابرة ومجاهدة للنفس، وترويض حتى تألف الطاعة وتحبها وتداوم عليها، وأن المحرمات أحيانًا تلتقي مع شهوة النفس وحظوظ الهوى ولذا يحتاج المرء الذي يتطلع إلى الجنان أن يكبح جماح النفس ويلزمها الطريق ويصبر على