الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون! عاد جعفر من الحبشة وبلغت فرحةُ النبي صلى الله عليه وسلم بمقدمه مبلغها، ولم يشغله عنها فرحته بفتح خيبر وكسرِ شوكة عدوٍّ لدود للمسلمين، ألا وهم اليهود .. والاستيلاء على حصونهم المنيعة.
فلماذا فرح رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بجعفر هذه الفرحة- ألأن جهاده ودعوته تستحق كل هذه الفرحة والتقدير؟ أم لأن صبره وطول غربته تستحق العناية والتقدير؟ أم لأنه قدم يوم قدم وقد كسرت شوكة قريش من قبل ثم تلاها كسرُ شوكة اليهود من بعد .. وبمجيء جعفر ومن معه يلتئم شمل المسلمين، ويجتمع ما تفرق منهم بسبب المطاردة والإيذاء من قبل أعداء الدين؟
وأيًّا ما كان السبب هذا أو ذاك أو لأسباب أخرى فالذي لا شك فيه أن الدرس الذي ينبغي أن نعيه هو أن جعفرًا -رضي الله عنه- عاد يوم أن عاد من الحبشة إلى المدينة لا ليأخذ فترة نقاهة لطول غربته، ولا ليستلذَّ بالراحة - ولو لفترة من الزمن- إثر جهاده ودعوته في أرض الحبشة .. بل عاد جعفر ليواصل الجهاد والدعوة للدين الحق مع قافلةِ المؤمنين.
فلم تمض سنة على مقدمه حتى كان أحد القادة الثلاثة في الجيش الإسلامي الذاهب لمنازلة الروم في مؤتة في السنة الثامنة للهجرة.
وفي معركة غير متكافئة في العدد والعدة وقف المسلمون وعدتهم ثلاثة آلاف