للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

وحين نتجه إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع قومه ومن حولهم من المشركين، يتجلى لنا خلق التسامح والعفو والبر والوفاء بكل معانيها، رغم أساليب العنف والكراهية والإيذاء التي صدرت من هؤلاء المشركين، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق - إلا أن يقولوا ربنا الله، ومع ذلك وحين ظفر النبي صلى الله عليه وسلم بسيد بني حنيفة (ثمامة بن أثال) وكان قد أصاب دمًا في المسلمين، عامله بالحسنى وصفح عنه .. حتى أسلم (ثمامة) متأثرًا بهذه الأخلاق العالية، بل بقي هذا الموقف العظيم من النبي العظيم ماثلاً بين عيني ثمامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت على إسلامه حين ارتد أهل اليمامة، وكان يردد إنعام النبي صلى الله عليه وسلم ويقول:

أهم بترك القول ثم يردني ... إلى القول إنعام النبي محمد

شكرت له فكي من الغل بعدما ... رأيت خيالاً من حسام مهند (١)

ولا تنتهي قصة العفو والإحسان والبر والتسامح - في قصة ثمامة - عند هذا الحد، بل إن خلق التسامح يتجدد مع قريش ذاتها، فقد هددهم ثمامة بمنع الطعام الذي كان يبعثه لهم من اليمامة قائلاً: «ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم» (٢).

وحانت الفرصة لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يحاصرهم اقتصاديًا وأن يخنقهم معاشيًا وهم مستحقون لذلك وكتبت قريش إلى محمد صلى الله عليه وسلم يتوسلون إليه، ويذكرونه بصلة الرحم - وإن قطعوها هم - فما كان من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن كتب إلى ثمامة


(١) (الإصابة ٢/ ٢٧، ٢٨).
(٢) (البخاري ح ٤٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>