للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوحى إلى عبده فيما أوحى {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء} [الأنعام: ١٥٩]، أولئك هم أهل الأهواء والبدع وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وهو القائل «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» (١).

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

أما بعد عباد الله فإن من أعظم أسباب الفرقة والحيدة عن الكتاب والسنة إتباع الهوى، فقد يكون صاحبه يعلم الحقَّ لكنه يُغمض عنه ويستجيب لهواه، قال الله تعالى: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص: ٥٠]، {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: ٢٦]، وقال عز وجل: {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} [البقرة: ٢١٣].

أي على علم أن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوه بغيًا (٢).

وإتباع الهوى يبلغ بصاحبه الابتداع في الدين وعبادة الله بما لم يأذن به الله، ومن عبد الله بمستحسنات العقول فقد قدح في كمال هذا الدين، واتهم محمدًا صلى الله عليه وسلم بعدم التبليغ، قال الإمام مالك رحمه الله: من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: ٣]، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» (٣).


(١) (رواه مسلم ح ٨٦٧ في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، شرح السنة ١/ ٢١١).
(٢) (شرح السنة ١/ ٢١٠).
(٣) (الاعتصام للشاطبي ٢/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>