الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى، وأشكره، وأُثني عليه الخير كلّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء ورسله، وعلى الآل والأصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.
إخوة الإسلام، وفاز بالدرجات العلى، والأجر العظيم كذلك- من غير الحجاج- من استثمر أيام العشر بعمل الصالحات، ومن جاهد نفسه على فعل الخيرات. وها هي الأيام تنقضي، وكذلك العمل ينصرم، ويبوء بالخيبة والخسران أصحاب الهمم الضعيفة، وساعة المندم يوم القيامة أشد وأنكى، يوم تكون شكوى بعض الأنفس:{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}(١). هنا في هذه الحياة الدنيا يتباين الناس في الإيمان، فشخصٌ يعمل وكأن الآخرة أمامه يراها رأي العين، فيشتاق لحورها، ويشتهي من ثمارها، ويتمنى لو صار إلى أنهارها، وكلما أنس من نفسه ضيقًا في هذه الحياة ذكَّر نفسه بسعة الآخرة، وكلما أحس بمصيبة أو نكد، صبَّر نفسه ومناها بحياة لا نكد فيها ولا صخب في جنات ونهر، ومقعد صدق عند مليك مقتدر.
وشخص آخر يعمل حين يرى الناس يعملون- لكن في بحار الشهوات غارق - وظلمة الدنيا تكاد تحجبه عن أنوار الآخرة، وغاية أمانيه أن يكون صاحبها حرث ونسل، أو صاحب ملك عريض تتنوع فيه ملاذ الدنيا وشهواتها .. وهو في ظل هذه الأحلام لا يتلذذ في العبادة .. وهو في هذه الغفلة لا يكاد يحمس بنعيم الآخرة ..