إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيئاتِ أعمالِنا .. إخوةَ الإسلام، يظن بعضُ الناس أنَّ الهجومَ التتريَّ الشرِسَ على العالم الإسلامي حِقْبةٌ زمنية وانتهت، وأن الحملاتِ الصليبيةَ الوحشيةَ على المسلمين ومقدَّساتِهم نمطٌ من أنماطِ العداوة بين الكفارِ والمسلمين لن يتكررَ لها مثيلٌ، وهذا ظنٌ خاطئٌ، يكذِّبُه الواقعُ المعاصر ويعيدُ اليهودُ والنصارى فصولَه هذه الأيام ... ولعل من المناسبِ أن نَعرِضَ للهجمتين التتريَّتينِ في الماضي وكيف كان موقفُ المسلمين فيهما .. ثم نَعرِض لشيء من الهجماتِ التتريةِ المعاصرة وأهدافِها، وماذا ينبغي أن يكون موقفُ المسلمينَ حِيالَها.
أيها المسلمون: لم يكن بين فاجعةِ المسلمين في بغدادَ وسقوطِ الخلافةِ العباسية على أيدي التترِ سنة (٦٥٦ هـ)، وبين عزِّ المسلمين وانتصارِ الإسلام وهزيمة التتار في عين جالوتَ (٦٥٨ هـ) سوى عامينِ فقط .. فما هي أسبابُ الذلِّ والهوانِ في الأُولى؟ وما هي عواملُ النصرِ والعزّة في الأخرى؟
إن المتأملَ في أحداث التاريخِ يرى أن إعصارَ التتر كان جارفًا قَدِمَ من المشرقِ فأباد عددًا من الدول والممالِكِ، وأفنى ما لا يُحصَى من البشر، وعاثَ جيشُه في الأرضِ الفسادَ ... لا ينتهي عند حدودِ السيطرةِ السياسية والمكاسبِ الاقتصادية، بل قَصَدَ الدينَ والخُلُق والعِرضَ بالفساد ...
(١) ألقيت هذهالخطبةُ يوم الجمعة الموافق ٩/ ١٠/ ١٤٢٣ هـ.