وكذلك يفعلُ المجرمون. وحين كان التتارُ على أعتابِ بغدادَ هُزم المسلمون من داخلِهم قبل أن تَحِيقَ الهزيمةُ بهم على أيدي عدوِّهم ...
أجل لقد كان الوزيرُ الرافضيُّ ابنُ العلقميِّ متمكنًا في الدولة وصاحبَ رأي عند الخليفة المستعصِم بالله، وهو الذي أشارَ على الخليفة: أن لا قِبَلَ للخلافةِ الإسلامية بمقاومة الجيش التتريِّ، وأنَّ على الخليفة أن يبعثَ بوفدِ سلامٍ إلى هولاكو محمَّلًا بالهدايا القيِّمة، فوافق الخليفةُ على هذا العرضِ ونفَّذ الرأيَ المتهالِك. واعتبر التترُ هذه الهدايا جزءًا مما يستحقونَ ولم يَمنعْهم ذلك من الهجوم الوحشيِّ على البلادِ والعباد، حتى كانت المصيبةُ المشهورة والتي لم يَسلَمْ منها الأميرُ والمأمور والمستشيرُ والمستشار، بل شَمِلَت- كما قال ابنُ كثير رحمه الله- مَن قدروا عليه من الرجالِ والنساءِ والوِلْدان والمشايخِ والكهولِ والشبان ..
أيها المسلمون: وحين نتوقفُ عند هذه الحادثة بفصولهِا وملابساتِها نرصدُ الدروسَ التالية:
١ - أثرُ المنافقين في فَناءِ الدُّول وتدميرِ الشعوب، ولئن كان عددٌ من الأسبابِ وراءَ مأساة المسلمين في بغدادَ، فإن دَوْرَ الرافضةِ والمنافقينَ ولا شكَّ كان من أقوى هذه الأسبابِ في تدميرِ التتر لبلادِ المسلمين.
٢ - إن الفسادَ الواقعَ من فئةٍ، والتخاذلَ الحاصلَ من الملأ لا يقفُ بآثاره عليهم وحدَهم، أو من يَدُور في فَلَكِهم، بل يَشمَلُ غيرَهم ... وفي مأساةِ بغدادَ أحصى المؤرِّخون ألفي ألفِ نفسٍ قُتلت، أي (مليونَي قتيلٍ) من الرجالِ والنساءِ والشيوخ والأطفال ... هذا فضلًا عن تدميرِ الدولِ ونهاية الخلافةِ الإسلاميةِ في بغداد.