٣ - ولو أنّ الخلافةَ قاومَتْ والمسلمينَ جاهدوا لَمَا خَسِروا هذا العدد، ولو هُزِمُوا لكان لهم عذرٌ في الهزيمة ... أما إذ وقعتِ الهزيمةُ أولًا وآخرًا، واستسلمَ المسلمون للعدوِّ وما سَلِموا، فتلك هي المصيبةُ العُظْمى والخسارةُ المضاعَفة.
٤ - والعدوُّ إذا ظَفِرَ بالمسلمين لا ينظر للأُعطيات ولا يلتفتُ للهِباتِ، ولا يتوقفُ عند حدودِ المقدَّرات المادية، بل يريد الوصولَ إلى الأخلاقِ والقَيِم وتدمير الهُوية وسَلْخ الأمة عن عقيدتها ودينِها، وكذلك صنع التتارُ بالمسلمين، وكذلك يحاول خلَفُهم من بعدِهم.
إخوة الإيمان: أما الحادثة الأخرى فكانت سنة (٦٥٨ هـ) وكان موعد التتر مع المسلمين مع حاكم مصر مع الملك المظفر (قطز) وذلك بعد أن دمر التتر بغداد، وواصلوا زحفهم إلى بلاد الشام فدخلوا (حلب) بالأمان ثم غدروا بأهلها، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء والأطفال، وجرى على أهل حلب قريب مما جرى على أهل بغداد (١)، فجاسوا خلال الديار، وجعلوا أعزة أهلها أذلة .. ثم وردوا (دمشق) فأخذوها سريعًا من غير ممانع ولا مدافع .. وهكذا نهبوا البلاد كلها حتى وصلوا إلى (غزة).
وحين بلغ الخبر (قطز) صاحب مصر .. أدرك أن هؤلاء المتوحشين لا أمان لهم ولا عهد، فأراد أن يبادرهم قبل أن يبدئوه ... واستشار الرجال من حوله فأيدوه ... وكان في مقدمة مستشاريه الأئمة والعلماء والقادة وأهل الجهاد ... وكان يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان - في هذه السنة - موعدًا للنصر والظفر والعزة للإسلام وأهله في معركة (عين جالوت) الشهيرة.
(١) كما قال ابن كثير في «البداية والنهاية» ١٣/ ٢٠٧.