الحمد لله رب العالمين جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينزل النصر على من يستحق النصر من عباده في ربوبيته وإلاهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى سائر المرسلين، وعلى الآل الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد إخوة الإسلام ففي العشر الأخير من رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة كانت وقعة عين جالوت الشهيرة التي أعز الله بها الإسلام ونصر المسلمين، وكبت اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، وظهر دين الله وهم كارهون، وكان وراء هذا النصر- بعد توفيق الله وتسديده- همم عالية تمثلها قطز ومن معه من الأجناد الصادقين، ونصح وإخلاص وحض على الجهاد والتضحية من قبل العلماء والمخلصين.
أما الأمراء فقدوتهم الملك المظفر قطز الذي بادر التتر قبل أن يبادروه، وحين علم ما صنعوا بالشام المحروسة عزم على غزوهم قبل أن يغزوه، وأشاع في القادة روح الجهاد ونصحهم عن التقاعس وحمّلهم مسؤولية ضياع البلاد وهلاك العباد، ولم يكن مجيدًا للغة الخطاب دون لغة الحسام، ولم يكن من أهل الريب والنفاق بل كانت شجاعته ظاهرة وأهدافه سامية- كذلك نحسبه ويحسبه المؤرخون والله حسيبنا وإياه، ولا نزكي على الله أحدًا. ذكر عنه أنه لما كان يوم المعركة بعين جالوت قتل جواده ولم يجد أحدًا في الساعة الراهنة من الوشاقية الذين معهم النجائب فترجل وبقي واقفًا على الأرض ثابتًا، والقتال عمال في المعركة وهو في موضع السلطان من القلب، فلما رآه بعض الأمراء