للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانية:

أيُّها المسلمونَ: وإذا عرفْنا شيئًا منْ مظاهرِ الإسرافِ المادِّيِّ في حياتِنا، وما أردتُ الإحصاءَ لكلِّ مظاهرهِ قدْرَ ما أردتُ التنبيهَ على مخاطرِ الإسرافِ وأثرِه- فلا بدَّ أنْ نعرفَ أنواعًا ومظاهرَ أخرى من إسرافنا في مجالاتٍ أخرى، وهيَ لا تقلُّ أثرًا وخطرًا، وقدِ اختارَ ابنُ جريرٍ- رحمهُ الله- قولَ عطاءٍ في أنَّ النهيَ عنِ الإسرافِ في آيةِ الأنعامِ عامٌّ في الإسرافِ في كلِّ شيءٍ (١).

واعتبرَها ابنْ زيدٍ خطابًا للوُلاةِ، يعني: لا تأخذوا فوقَ حقِّكمْ وما لا يجبُ على الناسِ (٢).

وقالَ إياسُ بنُ معاويةَ: ما جاوزتَ به أمرَ اللهِ فهو سرفٌ وإسرافٌ (٣).

أخي المسلمُ: ألا تُحسُّ بشيءٍ من إسرافِنا وهَدْرنِا للأوقاتِ؟ والوقتُ هوَ الحياةُ، كمْ نستمرُ من ساعاتِ الليلِ والنهارِ فيما ينفعُنا في دينِنا أوْ دنيانا؟ وفي القرآنِ تذكيرٌ لنا بقيمةِ الزمنِ، إذْ أقسمَ اللهُ بهِ في أكثرَ منْ موضعٍ: {وَالْفَجْرِ} {وَالضُّحَى} {وَاللَّيْلِ} {وَالْعَصْرِ}، إلى غيرِ ذلك من إشاراتٍ لا تخفى لمنْ تأمَّلَ.

يا عبدَ اللهِ: منَ العقلِ والحكمةِ أنْ تسألَ نفسَكَ: ماذا زرعتَ لآخرتِكَ في وقتِكَ؟ وما نوعُ مَكاسبِكَ في الدنيا منَ الوقتِ؟ أهيَ محقِّقةٌ للسعادةِ أمْ جالبةٌ للشِّقوةِ والنكدِ؟

يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ: كمْ تُهدرُ منْ سمْعِكَ، وكمْ تُسرفُ في نظرِك، واللهُ


(١) تفسير ابن كثير للآية ١٤١ من الأنعام، ٣/ ٣٤٣.
(٢) نقله القرطبي ٧/ ١١٠.
(٣) السابق ٧/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>