للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانيةُ:

أيها المسلمونَ: ولا تقتصرُ جهودُ المنافقينَ على التعاونِ مع المشركينَ أو اليهودِ أو النصارى، بلْ همْ جاهزونَ للتعاونِ مَعَ كلِّ من تحزَّب ضدَّ الإسلامِ والمسلمينَ، وفي معركةِ الخندقِ وحينَ تحزَّبَ الأحزابُ على المسلمينَ في المدينةِ في جمعٍ لمْ تشهدْه المدينةُ مِنْ قبلُ، وبلغَ الكربَ بالمسلمينَ مَبْلغَه -كانَ للمنافقينَ دَورُهم وسهامُهم مَعَ أولئكَ الأحزابِ، حتى ابتُلي المسلمونَ وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وفي ظلِّ هذه الظروفِ الصعبةِ كانَ المنافقونَ يقولون: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} (١).

وهكذا شكَّلَ المنافقونَ دورَهم مَعَ الأحزاب في الإرجافِ والتخذيلِ، ومحاولةِ التسللِ والاعتذارِ عنْ حَفْرِ الخندقِ أولًا، وعن مجابهةِ العدوِّ ثانيًا، وأنَّى لأولئكَ المنافقينَ أنْ ينكأوا في العدوِّ وهمُ القائلونَ لإخوانهم: {هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلًا} (٢) فلمّا استحكمَ الخوفُ بهمْ {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} (٣).

عبادَ اللهِ: وظلّتْ مسيرةُ النفاقِ في عصورِ الراشدينَ، وساهموا بإشعالِ فتيلِ الفتنةِ، واستمرَّ دَورُهم في عصرِ الأمويِّينَ والعباسيينَ يُسمَّونَ بالمنافقينَ حينًا، ويوصفُونَ بالزنادقةِ حينًا آخرَ، وبالباطنِّينَ فترةً وبالعِلْمانيينَ أخرى .. وليستْ تُهمُّ الأسماءُ؛ فالمسمَّيات تتغيَّرُ، ولكنّ السِّماتِ والوسائلَ والأساليبَ تكادُ تتكرَّرُ


(١) سورة الأحزاب، الآيتان: ١٢، ١٣.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ١٨.
(٣) سورة الأحزاب، الآية: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>