للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانية:

إخوةَ الإيمانِ: وفي الشدائدِ دروسٌ وتعويدٌ على الصبرِ، ومنْ قَلَّ صبرُه أعاقَهُ بردُ الشتاءِ أو حرُّ الصيفِ عنْ مشاريعِ الخيرِ، وضعُفَتْ همتُه عنِ القيامِ بما كانَ يقومُ به حينَ اعتدالِ الجوِّ، وأهلُ الصبرِ والإيمانِ واليقينِ يتجاوزونَ في أعمالِهِم الصالحةِ ومشاريعهم الخيرةِ معوّقاتِ الشدائدِ .. بعكسِ أهلِ الريبِ والنفاقِ وأصحابِ الهِمَمِ الضعيفةِ فأولئكَ يقعدونَ عنِ المعالي ويعتذرونَ بشدةِ الزمانِ .. إنهما صنفانِ يتكرران، أحدُهما يقول: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (١).

والآخرونَ قالوا: {وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (٢).

وفيما نحنُ بصدَدِه ربّما ضعُفَتْ هِممْ أناسٍ عن صلاةِ الفجرِ في وقتِها ومعَ جماعةِ المسلمينَ لقِصَرِ ليلِ الصيفِ، وربّما ضَعُفَتْ هِممُ آخرينَ عنِ الخروجِ لصلاةِ الظهرِ أو العصرِ لشدةِ الحرِّ ولفحِ السَّمومِ .. وفرقٌ بينَ هؤلاءِ وبينَ منْ يقومونَ الليلَ- وإنْ قصُرتْ ساعاتُهُ- ومَنْ يصومونَ النهارَ وإنِ اشتدَّ حرُّه، وسلعةُ اللهِ غاليةٌ، وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ!

رأى عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمَهُ اللهُ قومًا في جنازةٍ قدْ هربوا منَ الشمسِ إلى الظلِّ، وتَوَقَّوا الغبارَ، فبكى ثم أنشدَ:

منْ كانَ حينَ تُصيبُ الشمسُ جبهتَه ... أوِ الغبارُ يخاف الشينَ والشَّعَثا

ويألفُ الظَّلَّ كيْ تبقَى بشاشتُه ... فسوفَ يسكنُ يومًا راغمًا جَدَثًا

في ظلِّ مُقْفِرةٍ غَبراءَ مُظلمةٍ ... يطيلُ تحتَ الثَّرى في غمِّها اللَّبَثا


(١) سورة الأحزاب، الآية: ٢٢.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>