في الصيفِ لسخونةِ الظاهرِ فتهربُ البرودةُ إلى الأجوافِ:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
يا عبدَ اللهِ: وإذا كانَ الضِّدانِ لا يجتمعانِ وأحدُهما يهربُ من الآخرِ، فهلْ تفرُّ من المعصيةِ إلى الطاعةِ؟ وإذا كانَ حرُّ الصيفِ شديدًا فنارُ جهنمَ أشدُّ حرًا، ورحمَ اللهُ أقوامًا كانوا يتحرَّونَ الهواجرَ فيتقربون إلى اللهِ بصيامِها، تحسُّبًا ليومٍ شديدٌ حرُّه، وكان أبو الدرداءَ رضيَ اللهُ عنه يقولُ: صُوموا يومًا شديدًا حَرُّه لحرِّ يومِ النشورِ، وصلّوا رَكعتينِ في ظلمةِ الليلِ لظُلمةِ القبورِ.
ويُذكرُ أنَّ عددًا من السلفِ كانوا يصومونَ في الصيفِ طلبًا لكثرةِ الأجرِ، ويقولُ قائلهُم: إنَّ الشيءَ إذا رَخَص اشتراهُ كلُّ أحَدٍ؟
ويروى أنَّ ابنَ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما خرجَ في سفرٍ ومعهُ أصحابُه، فلما وضعوا سُفرتَهم، مرَّ بهم راعٍ فدعَوْه إلى أنْ يأكلَ معهُمْ، فقالَ: إني صائمٌ، فقالَ ابنُ عمرَ: في مثلِ هذا اليومِ الشديدِ حرُّه وأنتَ بينَ هذه الشِّعابِ في آثارِ هذه الغنمِ وأنتَ صائمٌ؟ فقالَ الراعي: أبادرُ أيامي هذه الخالية (١).