للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا مسلمُ يا عبدَ الله: وإذا كنتَ اليومَ تتقي شدةَ الحرارةِ بالتكييفِ والظلالِ الوارفةِ وغيرِ ذلكَ منْ وسائلَ- لا ضيرَ عليكَ في استخدامِها- فبأيِّ شيءٍ تُراكَ ستتَّقي حرَّ جهنّمَ وشدةَ الموقفِ في عَرَصاتِ الحسابِ. وهناكَ تدنو الشمسُ منَ الخلقِ وتكونُ بقدرِ الميلِ .. واليومَ بينَنا وبينَها آلافُ الأميالِ، هناكَ العَرقُ يلجم الناسَ على قدرِ أعمالِهم ولا ظِلَّ إلا ظلُّ الرحمنِ ولا جاهٌ ولا مالٌ ولا حسبٌ ولا نسبٌ؟

إنني أذكِّرُك ونفسي بالسبعةِ الذينَ يُظلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّهُ فهلْ نكونُ أحدَ هؤلاءِ السبعةِ، بخوفِنا منَ اللهِ، وبعملِ الصالحاتِ، وتقديمِ القُرُباتِ؟

يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ، ومهْما تضايقْتَ من شدّةِ الحرِّ أو البردِ إياكَ أن تَسُبَّ الدهرَ فاللهُ هو الدهرُ، ولا يَغِبْ عنْ ذِهْنِكَ أن الشمسَ والقمرَ بحُسْبانٍ، وأنَّ للهِ حِكَمًا في تقليبِ الليلِ والنهارِ، وتكرارِ الفصولِ وتقليبِ الزمانِ وَعاها العالِمونَ، وذكرَ بعضَها العارفونَ. وقالَ ابنُ القيِّم رحمَه اللهُ: ثمَّ تأملْ بعدَ ذلكَ أحوالَ هذه الشمسِ في انخفاضِها وارتفاعِها لإقامةِ هذه الأزمنةِ والفصولِ وما فيها مِنَ المصالحِ والحكَمِ، إذْ لوْ كانَ الزمانُ كلُّه فصلًا واحدًا لفاتَتْ مصالحُ الفصولِ الباقيةِ فيهِ .. إلى أنْ قالَ عنْ حكمِ الصيف: وفي الصيفِ يحتدّ الهواءُ ويَسخُنُ جدًّا فتنضجُ الثِّمارُ، وتنحلُّ فَضَلاتُ الا يدانِ والأخلاطِ التي انعقدَتْ في الشتاءِ، وتَغورُ البرودةُ وتهربُ إلى الأجوافِ، ولهذا تبردُ العيونُ والآبارُ.

ويتحدثُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَهُ اللهُ عنْ شيءٍ منْ رحمةِ اللهِ وتقديرِهِ في اختلافِ الفصولِ وبما يَحمي الإنسانَ بإذنِ الله، فيقول: يسخُنُ جوفُ الإنسانِ في الشتاءِ ويَبْرُدُ في الصيفِ، لأنَّ في الشتاءِ يكونُ الهواءُ باردًا فيبردُ ظاهرُ البدَنِ فتهربُ الحرارةُ إلى باطنِ البدَنِ؛ لأنَّ الضدَّ يَهربُ من الضدِّ .. وتبردُ الأجوافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>