للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانية:

الحمدُ للهِ يسَّر لعبادِه من فُرَص الطاعةِ ما يَبلُوا هممَهم ويُعظِّم أجورَهم، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خصَّ هذه الأُمةَ بخصائصَ، واختار لها مناسباتٍ وأيامًا فاضلةً، الموفَّقُ من وفَّقَه اللهُ لاستثمارِها، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بيَّن للأُمةِ ما يُسعِدُها، وحثَّها على ما فيه بِرُّها وخيرُها، ومن يُطعِ الرسولَ فقد أطاع الله، ومن تولَّى فما أرسلناك عليهم حفيظًا- صلَّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبهِ أجمعين.

إخوةَ الإسلام: موسمٌ عظيمٌ وسُوقٌ من أسواقِ الجنة، وتجارةٌ رابحةٌ تحلُّ بها- قريبًا- رحماتُ ربي على المسلمين، فهل من مُشترٍ؟ وهل من مُتاجرٍ؟ ألا ويحَ من غُبِنوا حين يكسبُ الناسُ، ومساكينُ من فرَّطوا حين يَجِدُّ الناسُ!

عشرُ ذي الحِجَّة قابُ قوسين أو أدنى- بلَّغنا اللهُ إياها، وأعاننا على عمل الصالحاتِ فيها- وما أدراك ما عشرُ ذي الحجَّة؟ أقسمَ اللهُ بها في كتابِه العزيز فقال: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ثمِ قال بعدُ {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} والمعنى: إن في ذلك لقِسمة لكلِّ ذي لُبٍّ وعقل (١).

أي: إن ما في هذه الأيامِ العشرِ من فُرِص للطاعةِ ومناسباتٍ للعبادة، وإغاظةٍ للشيطان، وأشياءَ معظَّمةٍ، تستحقُّ أن يقسِمَ اللهُ بها .. لكن منَ يعقلُ ويعملُ أولئك هم أُولُوا الألباب {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} (٢).

عبادَ الله: وهذه العشرُ حثَّ على اغتنامِها نبيُّ الهدى والرحمةِ، فقد أخرج


(١) تفسير القرطبي، ٢٠/ ٤٣.
(٢) تفسير السعدي (بتصرف) ٧/ ٦٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>