للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله رب العالمين أحمده تعالى وهو الغني الحميد وأشهد ألا إله إلا هو يجزي المتصدقين ويحب المحسنين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قدوة المتصدقين ونموذج أعلى للمحسنين صلى الله عليه وعلى الأنبياء المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلي يوم الدين.

أيها المسلمون ولسنا- معاشر البشر- ملائكة براء كما نزغ الشيطان، وأينا الذي لا يفكر ولا يتردد حين إخراخ الصدقة، فنفسه المطمئنة بوعد الله في الثواب تدعوه لمزيد من الإنفاق وتطمئنه أن الله سيخلفه، وأن ما أنفق له، وما ألقى فهو لغيره.

ونفسه الأمارة بالسوء وهواه يخوفانه عواقب الفقر، وقلة ذات اليد، ويذكرانه أن هذا المال لم يأتك إلا بعد كدح وكد وعرق جبين أفتخرجه بهذه السهولة للفقراء والمحتاجين أو لذوي الأرحام والمساكين؟ هذه المعادلة صعبة، وتلك الوعود المتباينة أول من يعلمها في نفسك علام الغيوب، ولذلك أخبر عنها في كتابه العزيز وبين المخرج فقال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (١) وفي تفسير الآية ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم إن للشيطان للمةً بابن آدم، وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فلتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً} (٢).


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٦٨.
(٢) رواه ابن أبي حاتم، والترمذي وقال حسن غريب، ابن كثير ١/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>